28 Aug
28Aug

قضية مواطنينا المعتقلين في السجون السورية، جعلتني أنبش في أرشيف الماضي القريب الذي يخصّني، لأستذكر ما ما قاله الرّاحل الخالد المطرب وديع الصّافي في سياق المؤتمر الصّحافي الذي شاركني به، سنة ٢٠٠٥، في دار نقابة الصّحافة في بيروت، بحضور النقيب محمد البعلبكي رحمه الله وقد قال كلمته بعد التّرحيب بنا، حيث أعلنتُ عن برنامج ترشحي للانتخابات النيابية في دائرة كسروان- جبيل.. وهذه كلمة مطرب المطربين بحرفيّتها:




«أناشد ابن أخي، الرئيس السوري بشار الأسد. والده رحمه الله المعلم حافظ الأسد كان أخي.


أناشده بشرفه، أن يعمل معروفاً ويطلق أولادنا المعتقلين في السّجون السّوريّة.



أولادنا المعتقلون في سورية يجب أن يخرجوا منها قبل المعتقلين في إسرائيل.

. سورية شقيقتنا.


وأولادنا غاليين على قلوبنا.


وسورية لها الفضل على وديع الصّافي.

ومحبة بتاريخنا المشترك وصداقتنا أناشدهم أن يرفعوا أيديهم عن أولادنا ويبرئوهم، ويعيدوهم إلى أهلهم الثكالى.


أرجوك يا سيادة الرئيس بشار الأسد. استحلفك بأولادكوبرحمة والدك أن تلبّي طلبي»





وبكى الصّافي أمام الحاضرين ولا سيّما أمام كاميرات وسائل الإعلام.. وتأثر بدموعه كلّ ذي حس إنساني وطنيّ من الحاضرين.. من دون أن يبادر أي من السّياسيّين اللبنانيّين من حمل هذه القضية على منكبيه بل في قلبه ووجدانه ليصل بها إلى خواتيمها!



وما زالت العيون والقلوب تبكي على أحباء يظلمون ويتعذّبون في غياهب السّجون، فيما السّاسة عندنا يتجاهلون هذه القضيّة الوطنيّة الإنسانيّة والتي يجب أن تقضّ مضجعهم وتمنعهم من النوم إلى أن يتم الكشف عن مصير إخوتنا المفقودين في سوريا!




كلّ مرشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية يجب أن يحمل هذه القضيّة في قلبه ويجاهد في سبيلها ويناشد رأس النظام السوري وكل المنظمات الدولية للكشف عن مصير السجناء اللبنانيين في السّجون السّورية، والإفراج عن الأحياء وتسليم رفات من مات منهم إلى ذويهم، ولا بدّ من إيلاء رؤساء الطوائف اللبنانيّة هذه القضيّة الوطنيّة الإنسانيّة كبير الإهتمام ووضعها في سلّم الأولويّات.. من دون أن نناشد رؤساء الأحزاب، أمراء الحرب، الذين انغمسوا في أوحال التقاتل والتصفيات والخطف المتبادل وكدّسوا جثث الضحايا على ضمائرهم في لحظة تاريخية اهتز لها الضمير الإنساني العالمي.. وقد اتّشحت الأمهات والأخوات والبنات بالسّواد الذي تسبّب به سواد قلوب وعقول وأيدي أبناء الظلام الخاضعين لأمير الظلام عدوّ الخير... وها نحن نعاني من ذيول ونتائج حرب ١٩٩٠، يشكل خاص، حيث اقتتل الأخوة في ما بينهم، وكانت الخسائر فادحة بالأرواح والممتلكات، فيما المصالحة بين الفريقين المسيحيّين المتخاصمين، كانت مصلحيّة بامتياز، بعد أن كان يُباعد بينهما الدم والحقد، على أساس خلاف سياسي عميق، وأعني بهما حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر (الذي لم يكن قد أنشئ آنذاك إذ كان الصراع بين القوات والجيش اللبناني) وهذه المصالحة السّياسيّة المصلحيّة التي شهدناها لم تكن إلا لغايات تحاصصيّة مرحلية، ويا للأسف، وهي لم تنطلي على أي ذي عقل راجح، والدليل استمرار حال التشرذم بين هذين الفريقين المسيحيين، أكان على مستوى القيادة أو على مستوى القاعدة الشعبية، ومن ينفي هذه الحقيقة واهم او حتى متملّق ومنافق، كيف لا ونحن نعيش وسط هذا المجتمع، ههنا في لبنان، ولسنا في بلد آخر، على كوكب الأرض ولسنا على أي كوكب آخر في هذا الكون غير المحدود، فيما المحدود هو العقل السياسي القاصر، بل العاجز الذي يدير المؤسّسات الدّستوريّة في وطننا حيث يعيث فساداً.. ما يدمي قلوب كلّ الوطنيّين الشرفاء الغيارى على المصلحة الوطنيّة العليا، هذه المصلحة التي يضحّي بها هذا الطّاقم السّياسي الحاكم المجرم بحق شعبه، بهدف تحقيق مصالحه الخاصّة وبلوغ أهدافه المعنويّة والمادّيّة إرضاء للآمر الناهي سيّد القرار، ما وراء الحدود، وهو الذي أوجدهم وفرضهم علينا وسلّمهم زمام القيادة والإدارة وفتح لهم مجالات العربدة السياسية والسرقة والنّهب وإهدار مقدرات الدولة واستنزاف ثرواتها، وتركهم يتمتعون بألقاب السّلطة ويتنعّمون بالجاه والمال والترف والنفوذ.. ليكدّسوا ثروات ويملأوا خزنات المصارف، ويتملّكوا العقارات والشركات والأسهم و.. و.. و.. بطرق ملتوية بحيث يثرون إثراءً غير مشروع يحاكم عليه القانون.. وهكذا يعبدون أصنام السلطة والمال بدلاً من أن يعبدوا الله، ويغرقون في أوحال المتعة الزائلة والسّعادة الزائفة، ليكون لكلّ فاسد، بل مجرم منهم، نهاية، مهما طال الزمن، لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، والعدل منتصر لا محالة طالما أن عين الله على الظالم والمظلوم، وهو له المجد والإكرام، يمهل ولا يهمل، عسى وعلّ الخاطئ يتوب ويندم ويرتدّ ويستغفر الله خالقه على صورته ومثاله، ويقوم بأفعال التعويض، مادّيّاً ومعنويّاً، فيعتذر ممّن ظلمهم بسوء أفعاله، ويعيد إلى الدولة ما نهبه من خيراتها كما يرجع إلى كلّ من ظلمه، لا سيّما من أبناء وطنه، كل ما سرقه أو استولى عليه عنوةً أو اغتصبه في غفلة من الزمن، مستقوياً بموقعه السياسيّ أو الحزبيّ أو الأمنيّ أو القضائيّ أو.. أو..



ما يحصل في الحقيقة، هو أن أسياد هؤلاء المسؤولين الفاسدين، النافذين في دول القرار، الذين يتيحون لهم مجالات شتّى لصرف النفوذ والاستنفاع والاستمتاع بالحرام، يحلّلون لهم المحرّمات، حتى إذا أزفت ساعة أي استحقاق من الاستحقاقات، يأمرونهم بتنفيذ الأوامر الشيطانية، من دون أي مناقشة أو مراجعة أو اعتراض، وبطبيعة الحال، على حساب لبنان وشعبه، كيف لا وهم عبيد مأمورون ينفّذون أجندات خارجية ويدّعون أنهم أحرار وأسياد قرارهم!!!



قد يعتبرني البعض أني أنظّر وأحلم... إلا أن هذا ما يجب أن يحصل!



كفانا تكاذباً، وتبويس لحى، وتدوير زوايا وتذاكياً على بعضنا البعض!



ليقف كلّ منّا أمام محكمة ضميره وقفته أمام الله القاضي العادل الديان وليسأل نفسه: أين أنا من وصية الله لي أحبب قريبك كنفسك؟!



وليستطرد؛ كيف أترجم هذه المحبة لوطني وأبناء وطني وليس لأبناء كنيستني فقط؟!



هل تصعب الإجابة على هذه الأسئلة؟



أختصر الإجابة بأن ما يجري بين المسيحيين حصرياً سببه عدم عيش الإنجيل وبالتالي تحقيق مشيئة الله في حياتهم على المستويات كافة!



عبثاً نحلّل ونتفلسف، في حال التنكر للمحبّة والتّمرّد عليها وهي التي تصنع العجائب، ولا حلول (مسيحيّاً ولصالح المجتمع اللبناني برمّته) في حال استمرار التمترس خلف "العقائد" السّياسيّة والحزبية وحتى الدينيّة، وادعاء هذا الفرد أو هذه المجموعة هي على حق وهذا الفرد المناوئ أو هذه المجموعة المناوئة على خطأ.. وإن حصلت المساومة أو التسوية، في لحظة ما، وأمام استحقاق مُعيّن، فهي تحصل، لأغراض سياسيّة، ودوافع شخصيّة، كما درجت العادة، بعيداً عن عيش المحبة الرّسوليّة المسيحيّة التي يوصي بها الرّب يسوع المسيح، وقد عاشها هو بملئها وختم رسالتها الإلهيّة الخلاصيّة بتوقيع اسمه بدمه الطاهر الذي ارتضى أن يسفكه على الصّليب الظافر الجسر إلى الموت الذي انتصر عليه بالقيامة وهي الجسر إلى الحياة الأبديّة!



قياميّون نحن!


هل نحن نور العالم وملح الأرض.. حقاً؟! كيف؟!



نحن قياميّون.. فهل يجوز ألا نقوم مع المسيح، بعيشنا القيامة المجيدة الحقيقية، فنخرج من قبر الحقد والظلم والأنانية والطمع والجشع والنتانة والانتقام والقساوة و.. و..؟!



هل يعقل ألّا يَجمعنا حبّ المسيح في مشروعه التبشيريّ الخلاصيّ، للبشرية جمعاء، فنُجمع على خدمة وطننا لبنان وكنيستنا التي نتنافس في سبيل خدمتها وبنيانها، ومن خلالها نبني أنفسنا ونعيد بنيان لبنان الكيان والدولة والهوية والثقافة، فنطوّره وننهض به، مُستثمرين وزناتنا ومواهبنا وطاقاتنا لخير الأمة اللبنانيّة بكلّ أطيافها ؟!



إلى متى استمرار النزيف والاستنزاف والاهتراء والهراء والإحباط والانحطاط والضغينة اللّعينة ؟!



إلى متى سنظلّ مكتوفي الأيدي أمام تفكّك مفاصل دولتنا وسيطرة الظلاميّين المتخلّفين الغوغائيّين الحاقدين عليها؟!



إلى متى.. ؟!



أما كفانا يا شعب لبنان العظيم؟! أما كفانا يا شعب الحياة والفرح والحرّيّة والكرامة والإبداع والقداسة؟!
إلى متى استمرار التفرّج على أتباع النجاسة في مراكز السّياسة ؟!
إلى متى.. إلى متى غياب المبادرة الوطنيّة الإنقاذيّة المسيحيّة بشكل خاص؟!
إلى متى تأجيل صناعة السلام بيننا بحرية أبناء الله عملاً بما يشردنا الرب إلى صنعه، من ضمن تطويباته: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون".. إلى متى تجاهل وعصيان الله بعدم تحقيق مشيئته القدوسة؟!



هل من يروي ظمأي بمياه جواب أو أجوبة تقتنعني؟!



عود على بدء.. إنّ قضيّة الأسرى والمفقودين في سوريا يجب أن تصير قضية رأي عام عالمي، لا سيما عبر تدخل مباشر ومساعٍ حثيثة من بكركي، فيعيد غبطة البطريرك الراعي هذا الملف ويذهب به بعيداً، وليسمع العالم بأسره، لا سيّما حكّام الدول والمنظّمات الإنسانيّة نداء الراحل الخالد وديع الصافي، هذا الجبل الشامخ من لبنان، وهو اليوم يتمتّع بفرح الملكوت مع سيّده، ليسمع العالم هذا النداء المجبول بدموع القهر والحرقة الموجّه، من قلب هذا القلب اللّبناني الصافي، ليحرّك قلب الرّئيس السّوري فيلبّي النداء حتّى ولو بعد طول صبر وانتظار وعذاب يكابده ذوو الأسرى، ونحن نتعاطف معهم، وهذا أضعف الإيمان، ونشعر بألمهم وبالظلم الكبير الذي ينغّص حياتهم منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزّمن...



هل ننتظر أعجوبة من السّماء؟!



/سيمون حبيب صفير/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.