02 Nov
02Nov
إعلان خاص

بإسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد. آميـــــــن.


المطهر


ما أجمل الكنيسة الكاثوليكية في شجاعتها.

هذه الشجاعة التي تجعلها تُعلن إيمانها جهرُا.

وإعلان الكنيسة عن عقيدة المطهر هو تأكيد على رغبتها في الدخول إلى عمق "سر الايمان".

وسنحاول في هذه السطور توضيح هذه العقيدة، حتى يكون أبناء الكنيسة على معرفة ووعي بإيمانهم ، وليعرفوا ما هيتها؟ وعلى أي أساس تقوم؟ وسنحاول توضيحها إستناداً إلى كلام الوحي في الكتاب المقدس أولاً، ثم أقوال الأباء، وصلواتنا الطقسية.

وسيكون البحث مقسم إلى فصلين:


الأول: أساسيات المطهر، وفيه: الدينونة الخاصة - الخطيئة وعقابها.

الثاني: المطهر، وفيه: إثباتات العقيدة - طبيعة المطهر.



مثل الغنى ولعازر

"مات الفقير فحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم، ثم مات الغنى ودفن.
فرفع عينه وهو في مثوى الأموات يقاسى العذاب، فرأي إبراهيم من بعيد ولعازر في أحضانه…".


- يصور يسوع بهذا المثل حالة الإنسان بعد موته مباشرة، ويوضح أن دينونة الإنسان هي بعد موته وإلا كان يمكن القول "مات الفقير ودفن ومات الغنى ودفن" وكنا من خلال ذلك نفهم أنهما في حالة إنتظار وفي مكان واحد.

لكن قوله حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ولم يذكر هذا للغنى يظهر هذا التمييز بينهما، فالملائكة لا تحمل إنسان خاطئ، وإبراهيم أبو المؤمنين بالتأكيد لا يتساوى مع أشخاص لم يعرفوا الله حتى يذهب إليه لعازر وإلا فذهب إليه أيضاً الغنى.

من ناحية أخرى على أي أساس يذهب هذا إلى حضن إبراهيم؟
والآخر إلى العذاب؟ وعلى أي أساس لعازر يُعزى والغنى يتعذب؟ إنها إذا دينونة خاصة يمتثل أمامها الشخص بعد الموت مباشرة، ويتحدّد عليها مصيره في السماء إما في المطهر إما في جهنم.

وهنا نعرف مصير القديسين الّذين تكرمهم الكنيسة.


على أي حال إذا كان هذا مثل واقعي – وهذا الأقرب إلى الحقيقة- أو رمزي، فلا يوجد مثل من أمثال السيد المسيح التي رواها الإنجيليون تحمل مثل بنية هذا المثل، حيث أنه لا توجد أسماء مذكورة في أمثال قبل ذلك، والحال أن هذا المثل يوضح الأسماء والحالة والتي تخص الموتى والأحياء معاً، على الأرض (أهل الغنى) وفي السماء.




ثانياً- أقوال بعض الآباء عن المطهر

·القديس قبريانوس يقول:"بأن التائبين الّذين ماتوا بعد أن غُفرت خطاياهم، يجب عليهم أن يؤدوا في الحياة الأخرى ما تبقى عليهم من التعويض المفروض، بينما الشهادة هي بمثابة تعويض كامل وافٍ.
ليس بسيان غسل النفس من الخطايا باحتمال عذاب أليم طويل والتطهير بالنار وغسل النفس من الخطايا بشهادة الدم".


·أوغسطينوس يقول: "بعض الناس لا يعانون العذبات الزمنية إلا في هذه الحياة، وبعضهم بعد الموت فقط، وغيرهم في هذه الحياة وبعد الموت.
إلاّ أنهم جميعا يقفون بين يدي هذه المحكمة الصارمة الأخيرة".


- واضح من كلام القديس أوغسطينوس أنّ المطهر ليس حالة تبدأ بعد الموت، ولكن بما أنها حالة اكتمال تكفير، فالتكفير يبدأ من هنا على الأرض ويكتمل بعد الموت، إذا يبدأ المطهر من هنا على الأرض.
وبالتالي يمكن تفنيد كلامه إلى ثلاثة حالات كالآتي:


١) "بعض الناس لا يعانون العذابات الزمنية إلا في هذه الحياة "، وهنا يقصد بهم الشهداء والقديسين الّذين عاشوا تحت نير الاضطهادات والآلام وماتوا من اجل المسيح.


٢) "بعضهم بعد الموت فقط "، وهنا قد يقصد الأشخاص الذين ماتوا دون أي تكفير عن خطاياهم في الحياة.


٣) " بعضهم في هذه الحياة وبعد الموت"، أي الأشخاص الّذين بدءوا مرحلة التكفير على الأرض وفاجأهم الموت، وبالتالي لابد أن يكتمل تكفيرهم هذا.
وذلك يكون بعد الموت. إذا يمكن القول إن المطهر يبدأ على الأرض.
يتضح لنا من هذه الاشتشهادات أن المطهر هو حالة تكفير بل اكتمال، هذا ما سنراه فيما بعد.



·كيرلس الأروشليمى يقول:"نثق بأننا نقدم عوناً كبيرًا لنفوس الأموات بالصلاة من أجلهم، حين تكون الضحية المقدسة الرهيبة على المذبح … نقدم لله من أجل الأموات صلواتنا، نقدم بوجه خاص المسيح، المذبوح بسبب خطايانا، وبذلك نستعطف الله المحب للبشر من أجلهم".






طبيعة المطهر


·بالرجوع إلى النص:"إن مات المؤمنون التائبون حقا في المحبة، قبل أن يكفروا بثمار لائقة بالتوبة، عما ارتكبوه أو أهملوه، فستُطهَّر نفوسهم بعد الموت بعقوبات مطهِّرة…..".



·في تعليم الكنيسة الرسمي:

"الّذين يموتون في نعمة الله وصداقته، ولم يتطهروا بعد تطهيراً كاملاً، وان كانوا على ثقة من خلاصهم الأبدي، يخضعون من بعد موتهم لتطهير، يحصلون به على القداسة الضرورية لدخول فرح السماء".


من النصين نستخلص أن المطهر هو حالة تكفير، هذا التكفير يؤدي إلى تطهير النفس تطهيرًا كاملاً، ينقلها إلى القداسة والحياة مع الله إلى الأبد، هذا التكفير قد يكون بدأ على الأرض ولم يكتمل بعد.


فالمطهر : إذا هو ألم اختياري لا يُريد الإنسان أن يفوته على الإطلاق، ففيه يحترق الإنسان بنار المحبة المطهرِّة، وكلما شعر بالإحتراق والتطهير ورأي نفسه يمتلك القدرة على مشاركة المحبة الكاملة "الله"، فيغمره فرحٌ لا يفوقه فرحاً أخر إلا فرح السماء.

حين يرى الإنسان نفسه أمام المحبة، لا يسعه إلا أن يرغب فيها.

وليس ألمه إلاّ الشعور بأنه غير قادر على ذلك تماماً فآلامنا هو الإعتراف في وعي تام، بأننا عاجزون عن المحبة الحقيقية.


المطهر هو ساعة الحقيقة، هو لحظة إكتشاف النفس في كامل حقيقتها على ضوء قداسة الله.

هذه المعرفة التامة للنفس يسميها الكاتب "صلب النفس".

في المطهر يشعر الإنسان بألم التطهير، ويفرح بالتخلص من نقص المحبة ليدخل ويشارك الله المحبة. آمـــــــــين.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.