١- عندما نتأمل في ما تعنيه كلمة "الصلاة" وما هي أنواعها ، نجد أنَّ الصلاة هي على نوعين:
- صلاة فردية شخصية تأمليّة ، يقوم بها الفرد لوحده .
- صلاة جماعية ، ليتورجية عمومية ، تقوم بها الجماعة ككل .
- لكن يا ترى هل هناك فرق حقيقي وجوهري بين هذه وتلك ؟ أي ، هل يستطيع الانسان أن يصلّي وحيداً دون الاختبار الخاص بالجماعة المصلية ودون أن يُدخل في صلاته الآخرين ؟ ودون أن يكونوا موضوع صلاته أحياناً ؟ أم هل تستطيع الجماعة المسيحية أن تصلي دون الاختبار الخاص والشخصي للفرد وبالتالي دون صلاته التي تكمّل صلاته الجماعة ؟
بالطبع لا ! فليس لدينا نحن المؤمنين في عمق إيماننا المسيحي صلوات فردية وصلوات جماعية إلا من باب التبويب والتقسيم والتنظيم الليتورجي ؛ لأن الصلاة المسيحية ، وهنا نصل لتعريفها ، هي في قمّة العلاقات بين أفراد البشر وبالتالي بين كل فرد والإله السماوي ؛ وبما أنها أكثر وأكبر العلاقات منزلة في روحانيتنا المسيحية وبالتالي في حياتنا اليومية وبين بعضنا البعض وبين الناس والله ، فهي بالتأكيد مصدر النضوج الروحي للإنسان وبالتالي للجماعة ككل.
٢- الصلاة والحياة
إن الصلاة المسيحية هي غذاء يومي لحياة الانسان المؤمن ، ومصدر هذا الغذاء ليس من خارج حياته اليوميّة ، بل هو من صلب الحياة .
+ فينبوع الصلاة وأساسها يتركزّ وينتشر ونتلمَّسه من أفراح الإنسان وأتراحه ، من مخاوفه وهمومه ، من آماله وتطلّعاته ، من خلال علاقته بالآخرين ، من لحظات اتعابه وراحته ؛ فكلّ ما يشعر به الانسان ويعمله ، في كل لحظة وكل ساعة ، في صغره وفي كبره ، هو مصدر إلهام ومنطلقٌ مهمّ لصلاته ، فرداً كان أم جماعة .
فالصلوات الجميلة التي نتلوها أفراداً أو جماعات في كنائسنا وأثناء لقاءاتنا الليتورجية والدينية ، هي بالتأكيد الحافز الذي يدفعنا لنقوم بأعمال رحمة وشفقة تجاه الآخرين ؛ هي دافعنا إلى طلب المسامحة والتوبة ؛ هي مشعل عبادتنا الممتلئ غبطة ونشوة من معاني الصلوات ورونق أدائها وعمق نقائها الروحي والصوفي ؛ فيها نستطيع أن نستحضر الآباء القديسين والجماعة المسيحية التي كانت تصلي قبلنا ، نشاركها دوماً بتجديد الروح واستمرار روابط الإيمان من عهود وسنين .
ولكن يستوقفنا في كل ذلك شيئان ، نظنّهما متعارضين ، ألا وهما : عمل الانسان وصلاته!.
لكن يا تُرى هل هناك تعارض ما بينهما ؟ هل عمل الانسان هو عائق لتتميم الصلاة ؟ أو هل الصلاة المسيحية تعيق الانسان في تتميمه لعمله ؟ .
بالطبع لا !
فكل ما يصدر عن الانسان من عمل وصلاة هو قربان ، يقدّمه الانسان أمام مذبح ربه كتقدمة للرب ؛ فالعمل والصلاة هما تقدمة كاملة للذات الانسانية ؛ هما تضحية مقبولة على مذبح الرب هما أنشودة عذبة التقاسيم في تسبيح الله .
٣- الرب يسوع المسيح هو مِثال صلاتنا.
الرب يسوع كان دائماً يصلي لأبيهِ السماوي قبل أن يبدأ بأي عمل كان يقوم بِهِ .
لذا علينا كمؤمنين أن لا نفصل بين عمل الانسان وصلاته ، فهما واحد ، كما الله الآب ، والله الإبن ، والله الروح القدس : فعلى مِثال العلاقة داخل الثالوث الأقدس ، تنطلق صلاتنا المسيحية في مسيرتها ، من أجل إغنائنا روحيّاً لنصل لنضج روحي حقيقي ملؤه النِعمة الإلهية التي تعمل فينا دون انقطاع .
٤- في الصلاة ، نحقّق بنوّتنا لله وأخوّتنا مع جميع البشر .
فكلّ تاريخ الخلاص هو خير تعبير عن تلك العلاقة ، علاقة الله الثالوث ، الله الآب ، الله الإبن ، الله الروح القدس ، بالإنسان منذ الخلق. أي أنّ وجودنا ، وخاصة وجودنا " كخليفة جديدة في المسيح " ، كما يقول مار بولس الرسول ، هو وجود بنوي يعتمد على " روح التبني" ، تلك الروح التي خصّنا بها الآب وحقّقها لنا الله الإبن في ذاته ويعمل الروح القدس في العالم على ديمومتها فيما بيننا .
والصلاة المسيحية هي في حقيقتها وأساسها علاقة أبناء بأبيهم .
فالكائن البشري المسيحي في صلاته الفرديّة وعلاقته المباشرة بأبيه السماوي هو في ذات الوقت يعيش عضواً في مجتمع، عضواً في الكنيسة ، جسد يسوع المسيح السرّي وحضوره على الأرض ؛ فعمل الإنسان وصلاته ليسا إلا واحداً في الكنيسة والمجتمع.
وكلّ هذا يزاد لنا إذا عرفنا في صلاتنا ومسيرتنا الروحيّة كيف نحب الله ونحب القريب : نحب الله كما هو أحبنا وبذل نفسه عن خطايانا ، ونحب القريب على مِثال محبّة الله لكل إنسان .
وهذا كلّه يتّم مِن خِلال إنفتاحنا المُطلق على الله وعلى حبّهُ لنا ، فنرتمي في أحضانه الأبوية .
٥- الثقة بالله أساس الصلاة.
إن الرب يسوع قد أدخلنا في ميراث الملكوت السماوي ، إذ افتدانا بدمه واعتقنا من ظلمة الخطيئة ؛ وعلى هذا الأساس نرتكز لتستمرّ ثقتنا قويّة بربنا ومخلصنا يسوع المسيح ، مثلنا الأكبر في الصلاة.
+ الثقة بالله هي في صلب علاقتنا بِهِ ، فلولا الثقة لم نكن نستطيع المغامرة واكمال حياتنا تحت كنف رعاية وروح التبني التي مللنا بها .
فالثقة مهمة جداً في أية علاقة مهما كانت اجتماعية وحتى تلك الروحيّة ، فبها وبملئ حريتنا نكمّل مسيرة نضوجنا الروحي .
فالصلاة تجعلنا نستنير أكثر فأكثر بحقيقة حب الله لنا وعطائهم إلينا ووعوده لأبنائه.
وبقدر ما تكون صلاتنا فرديّة أو جماعية المهّم أن تكون بتواصل مع الله . آمــــــــــــين.