فالمؤمنون يولدون بالمعمودية ولادة ثانية، ويتقوون بسرّ التثبيت ، ويتناولون ، في الإفخارستيا ، خبز الحياة الأبديّة وهكذا بواسطة هذه الأسرار التي تدخل إلى الحياة المسيحيّة يحظى المؤمنون، أكثر فأكثر بثروات الحياة الإلهيّة ويتقدمون نحو كمال المحبّة.
- سرّ الإفخارستيا -
- الإفخارستيا المقدّسة تختتم مرحلة التنشئة المسيحية فالذين أكرموا بالكهنوت العام ، بالمعمودية وتصوروا بالتثبيت بصورة المسيح بوجه أعمق يشتركون مع كل الجماعة في ذبيحة السيّد نفسه بواسطة الإفخارستيا.
- إنّ مخلّصنا وضع في العشاء الأخير ليلة أسلم ذبيحة جسده ودمه الإفخارستيا لكي تستمر بها ذبيحة الصليب على مرّ الأجيال إلى أن يجيء ولكي يودع الكنيسة عروسة الحبيب ذكرى موته وقيامته.
إنّه سرّ تقوى وعلامة وحدة ورباط محبّة ووليمة فصحيّة فيها نتناول المسيح، غذاء وتمتلئ النفس بالنعمة ونعطي عربون المجد الآتي.
تأسيس الإفخارستيا :
- إنّ الربّ ، إذ أحب خاصته غاية الحب. وإذا عرف أنّ ساعته قد حانت ليمضي من هذا العالم ويعود إلى أبيه، قام عن الطعام وغسل أقدام تلاميذه وأعطاهم وصيّة الحب.
ولكي يورثهم عربون هذا الحب، ويظل أبداً معهم، ويشركهم في فصحه، وضع الإفخارستيا تذكاراً لموته وقيامته، وأمر رسله بأن يقيموها إلى يوم رجعته "جاعلاً إيّاهم كهنة العهد الجديد".
إصنعوا هذا لذكري
- وصيّة يسوع بأن نكرّر أفعاله وأقواله "إلى أن يجيء" (١ كو ١١ / ٢٦ ).
لا تقتصر على أن نتذكّره ونتذكّر ما قام به، بل تهدف إلى أن يتولّى الرسل وخلفاؤهم الإحتفال الليتورجي بتذكار المسيح: حياته وموته وقيامته وتشفّعه إلى الآب.
- لقد ظلت الكنيسة، منذ البدء، وفيّة لوصيّة الربّ.
فقد قيل في كنيسة أورشليم. "كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة الأخوية وكسر الخبز والصلوات (..) وكانوا يلازمون الهيكل كل يوم بقلب واحد ويكسرون الخبز في البيوت ويتناولون الطعام بابتهاج وسلامة قلب"
-وكان المسيحيون يجتمعون خصوصاً "وفي أول الأسبوع"، أي يوم الأحد اليوم الذي قام فيه يسوع، "ليكسروا الخبز" .
ومن ذلك الوقت حتى أيامنا، نواصل الإحتفال بالليتورجيا، بحيث نلقاها اليوم، في كل أنحاء الكنيسة، بنفس الهيكلية الأساسية، وتظل هي محورحياة الكنيسة.
حضور المسيح بقوّة كلمته وبقوّة الروح القدس
ليس الإنسان هو الذي يحوّل القاربين إلى جسد المسيح ودمه، بل المسيح نفسه الذي صُلب لأجلنا.
- الكاهن، صورة المسيح، ينطق بهذه الكلمات ولكن الفعل والنعمة هما من الله، يقول:
"هذا هو جسدي".
وهذه الكلمة تحوّل القاربين.
ويقول القديس أمبروسيوس في شأن هذا التحوّل :
"لنقتنع من أن هذا ليس من فعل الطبيعة بل من فعل التقديس بالبركة، وأن قوّة البركة تتفوّق على الطبيعة، لأنّ الطبيعة نفسها تتحوّل بالبركة .
كلمة المسيح التي خلقت الأشياء من لا شيء ألا تقدر أن تحوّل الموجودات إلى ما لم تكنه من قبل؟ ولا شكّ أنّ منح الأشياء طبيعتها الأولى ليس بأقل من تحويلها".
- إنّ الكنيسة والعالم بحاجة شديدة إلى العبادة الإفخارستيا ، يسوع ينتظرنا في سر المحبة، فلانبخل عليه بأوقات نذهب فيها للقائه، في جو من السجود والتأمّل المفعم بالإيمان والأهبة للتفكير عن معاصي العالم.
- "وجود جسد المسيح الحقيقي ودم المسيح الحقيقي في هذا السرّ لا ندركه البتّة بالحواس يقول القدّيس توما بل بالإيمان وحده المرتكز على سلطة الله".
- أمام عظمة هذا السر، لا يسع المؤمن إلاّ أن يستعيد، بتواضع وإيمان لاهب، كلام قائد المئة :
"يا رب، لست أهلاً لأن تدخل تحت سقفي ولكن يكفي أن تقول كلمة واحدة فترى نفسي". - "إقبلني اليوم شريكاً في عشائك السري يا إبن الله، فإني لا أقول سرك لأعدائك، ولا أُقبِّلك مثل يهوذا بل كاللصّ أعترف لك: